* شتاء مخيم*

218

ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
كنت أراقب غروب الشمس الخجلة، التي كانت تختبئ خلف الغيوم تارة، وتظهر بوجهها الدافئ تارةً أخرى.
غيوم كثيفة كأكوام الثلج بيضاء، تتخللها بقع زرقاء من السماء، وسيدة اللوحة الجميلة هذه ارتدت ثوباً برتقالياً جميلاً.
جلستْ أمام الخيمة على كرسي، وتلحفت بحْرام كي أشعر ببعض الدفء. فشمس آذار لم تمنع البرد من لسع الأجساد التي عشعش فيها طيلة شهورنا الأربع في هذه الخيام، التي لا تقي حر صيف، ولا قرّ شتاء.
فهذا شتاؤنا الأول في هذه المخيمات الوافدة حديثاً لحياتنا، لم نألفها بعد، ولم نعتد على طقوس الحياة فيها.
فجأةً، تغير كل شيء، اختفت شمس آذار، وتحولت السحب البيضاء لغيمٍ أسود، وأصبحت غيمة سوداء كبيرة حولتْ نور النهار إلى ليل مظلم!.
هبت ريحٌ قوية، أثارتْ زوبعة بين الخيام الواهنة، فراحتْ خيامنا تتمايل وتتراقص بين كفيّ عاصفةٍ راحت تصعّد عُنفها شيئاً فشيئاً.
بدأتْ سهام المطر الغزير تضرب كل ما يقف على الأرض،
تراخت الحبال التي شدننا بها الخيام، وقوة الريح مزقت ال ( عازل ) الذي كنا نستر به قماش الخيمة، وراح يتطاير في سماء اندلعت بها حربٌ دون سابق إنذار.
محاولاتي المتكررة بالإمساك ب( العازل ) وربطه بالحبال التي عُقدت بسككٍ حديدية، كلها باءت بالفشل.
تركت كل خرابٍ أحدثه المطر المتهاطل بلا هوادة، ودخلتُ الخيمة لأرى ماحدث بأولادي النائمين، بفعل دواء السعال الذي تناولوه وناموا، كل واحدٍ منهم كان كجنين التف حول نفسه في رحم أمه، هند و هدى وأحمد، مهجة قلبي، ومن تركه لي أبو أحمد رحمه الله، من بعده.
صوت المطر على الخيمة، كان كالرصاص، يزيد من رعب المشهد.
ضاقت بيَ الدنيا، وفقدت كل حيلةٍ أمام ما يحدث، وقفت عاجزةً حائرة،
خائفةٌ على أولادي الصغار، ولا أستطيع فعل شيء، وتكاد الخيمة تقلع من جذورها، من فوقنا!.
صراخ جيراننا واستغاثات النساء، وبكاء الأطفال، ولهاث الرجال المنهمكين بتثبيت أوتاد الخيام وتقويتها، وأولادي النائمين تحت مظلة الخطر، شقاء وقهر يشطر القلب ويمزق الروح.
أما الماء المتدفق من بين ( البلوك ) فقد بدأ يحول أرض الخيمة لبحيرةٍ ستغرقنا بعد قليل.
يارب السماء، ماذا أفعل وحدي أمام كل هذا؟!
بمن أستغيث؟
وممن أطلب المساعدة، وكلٌ غارقٌ بوجعه، يحاول إنقاذ أهله من موت قادم.
قدمايَ لم تعد تحملاني، فقد أعلنتْ استسلامها، فوقعتُ على الأرض، سحبت نفسي واقتربت من فلذة كبدي.
وضعت رأسي على المخدة التي جمعت رؤوسهم الثلاثة، التصقت بهم، فردت ذراعي فوقهم أغمضت عيني، تنفست الصعداء، وهدأتُ كرمادٍ بعد نار، أنتظر معجزةً توقظني من هذا الكابوس الجاثم على خيمتنا!.
صوت الرعد الهادر، أيقظ عصافيري الصغار، هب أحمد فزعاً، وصاح:

  • أمي ماهذا؟!
    جلست، وارتموا جميعهم في حضني، لائذين من هول ما فتحوا أعينهم عليه.
    ضوء قوي أضاء الكون، وبدد ظلمة السماء للحظات، تبعه صوت انفجارٍ مرعب، علا صوت الجيران، منبئاً بوقوع مصيبة، ركضت نحو باب الخيمة أستطلع الأمر.
    أعادني لمكاني صراخ أحمد وأختيه، الذي وقع عليهم لوح (الطاقة الشمسية)، الخاص بجيراننا،
    بصعوبةٍ أبعدت اللوح من فوقهم،
    ويالهول ما رأيت.
    يا إلهي أولادي الثلاثة نائمون كالملائكة، وقد غرقوا بدمائهم.
قد يعجبك ايضا