جرائم الكيان والعالم.. قصف على الأرض وحرب في الإعلام

222

علي ياسين | DCRN

من يعمل في مهنة الإعلام والصحافة ويتعرف على مفهوم توجيه الرأي العام نحو شيء معين يجب على عموم الجماهير الاعتقاد به، والحقيقة أن لكل مدرسة إعلامية أسلوبها الخاص وفق المسألة التي تريد توجيه عموم المتابعين والقراء نحوها، على سبيل المثال ورغم الفظاعات الكبيرة التي ارتكبها كل من نظام الأسد وروسيا لأكثر من اثني عشر عاماً فإن التسمية للوضع السوري تحافظ على مصطلحات معينة كـ: “الحرب الأهلية في سوريا” “محاربة الإرهاب” “العنف من طرفي الصراع”، وبالتالي تتشكل صورة لدى المتابع بشكل غير مباشر إن ما يحصل مجرد “نزاع على السلطة” ويسقط فيه ضحايا من الطرفين.
ولأن ما يحصل في غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” ليست مسألة رأي عام وحسب بل هي معركة ضارية يخوضها الكيان لإفناء سكان غزة وتسوية القطاع بالأرض مع كل مجزرة أو قصف يضرب تجمعات مدنية، ليحقق الكيان الدعاية الإعلامية الناجحة وهي ما يُطلق عليه “Propaganda” ليس للتغطية على جرائمه وحسب بل للذهاب لأبعد من ذلك وهو حشد رأي عام محلي غريي بالدرجة الأولى ثم يليه الرأي العام الدولي.
وهنا يأتي السؤال: لماذا يريد الكيان كسب تأييد شعوب أوروبا والعالم الغربي؟
مكاسب الكيان تتمثل بترسيخ فكرة واضحة لدى الجمهور الغربي أن تواجده على أرض ليست له هو حق قديم تاريخي وسياسي وديني وبالتالي مع تزايد التعاطف تفتح الجماهير الغربية لحكوماتها أبواب الدعم اللا محدود لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة يعتمد عليها الكيان في تقوية شوكته.
إذاً وخلال الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان في غزة، كيف تعمل ماكينات الإعلام الصهيوني والعالمي على صناعة رأي عام داعم لآلة الحرب التي فتكت بأرواح ما يزيد عن 7000 فلسطيني حتى اللحظة.
نستطيع الإجابة على هذا السؤال من خلال تقصي وسائل الإعلام والأجهزة السياسية للكيان والدول الداعمة له، ولتشكيل صورة واضحة نحتاج لتسليط الضور على أبرز الأحداث التي تتعلق بغزة منذ بداية التصعيد حتى اللحظة.

مختطفون ورهائن أم أسرى؟
تعريف الرهائن أو المختطفين في المفهوم العام هم مجموعة من المدنيين العُزل الذين اختطفتهم قوة مسلحة من منازلهم أو مكان عملهم واقتادتهم لأماكن مجهولة لهم ولذويهم ومن ثم المساومة على حياتهم مقابل مطالب أو مكاسب معينة، ويصر الكيان عبر ألسنته العسكرية والسياسية على تسمية جنوده وضباطه لدى المقاومة بهذا الشكل كآخر تصريح للناطق للجيش الصهيوني والذي قال فيه:” سنواصل الحرب وسنبذل كل الجهد لإعادة المخطوفين”، واستخدام كلمة مختطفين توحي بأن حركة حماس هاجمت منازل مدنية وليس وحدات عسكرية مسلحة، وبالتالي تضيع الصورة على المتابع ويثبت في تفكيره أن حركة حماس تحتجز مدنيين أبرياء، وما يساعد على ترسيخ هذه الصورة رفض الكيان الإعلان عن أسراه العسكريين بشكل دقيق لعدم التشويش على رواية المختطفين الذي يتبناها الكيان بشكل كامل.

تفجير وليس قصف
يمكن القول إن مجزرة مشفى المعمداني التي يزيد عدد ضحاياها عن 500 شخص مثال حي صريح على التلاعب بالمصطلحات لنقل وعي المتابع، فعلى سبيل المثال اعتمدت وسائل إعلام عالمية كوكالات CNN وفرانس24 وbbc وصحيفة لوموند على مصطلح “انفجار” المستشفى بدلاً من “مجزرة”، ويستفيد الكيان من ذلك أولاً في تعزيز روايته حول أن المشفى ضربه صاروخ أطلقته المقاومة وحاد عن مساره، ولأن قصف مشفى هو جريمة وحشية بكل ما تحمل المعاني فمن الصعب تقبل فكرة صاروخ محلي الصنع حاد عن مساره وتسبب بهذا العدد الهائل من الضحايا فضلاً عن قوته التفجيرية العالية.

ليست مشافي، بل بنية تحتية لمنظمة إرهابية!!!
في تقرير نشرته BBC قبل المجزرة بعدة أيام تسائلت فيه عن بناء المقاومة لأنفاق وبنية تحتية عسكرية أسفل مشفى المعمداني، وهو بالنسبة للقارئ تصوير مشفى يعالج المرضى على أنه ثكنة أو موقع إرهابي وبالتالي لا يجد المتابع أي مضاضة في ضرب المشفى بحكم تحويله لموقع يطلق منه صواريخ وقذائف صاروخية، وهي الرواية التي تعتمدها سلطات الكيان حالياً في ضرب مشفى المعمداني ومشفى الشفاء والمشفى الإندونيسي وسائر مشافي القطاع.

يستخدمونكم دروعاً بشرية…لا ذنب لنا!!!
لا تكفي المبررات السابقة لتبييض موقف الكيان بالكامل، فمع كل تلك الحجج لا تزال لدى الكيان مشكلة ضربه الكثيف للتجمعات المدنية والمشافي، وهنا تصبح الحاجة للإعتراف ملحة أحياناً ليس لادعاء المصداقية وحسب، بل لتفادي التصادم مع أي دولة أو جهة إنسانية.
ولتحقيق هذه الغاية يعمل إعلام الكيان على الاستمرار بأن حركة حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية وتضعهم “بوجه المدفع” وبما أن الكيان “يدافع عن سيادته” كما صرح رئيس حكومته نتنياهو فإن جيشه يضرب المدنيين في القطاع خلال عمليات قصف مواقع حماس وباتت رواية ثابتة ليس لقصف المشفى المعمداني وحسب، بل لتبرير أي مجزرة أو جريمة قتل جماعي يرتكبها الكيان في القطاع.

التحليلات السابقة لا تحتاج الكثير من المجهود، فهي واضحة تماماً لمن يريد تقصي الحقائق، والأمل الوحيد لإعلام الصهاينة والدول الداعمة له هو تكرار وإعادة تلك البراهين وتزوير الحقائق على أمل أن تجد لها تقبلاً لدى الجمهور المتلقي مهما كان توجهه أو رأيه بالتوترات الحاصلة، والإطلاع على نتائج هذا الحشد الإعلامي يثبت أن نتائجه كانت في منتهى الضعف مع استمرار المظاهرات الرافضة لعدون الكيان على القطاع في عواصم أوروبية عديدة، ومن خلال الوعي المتشكل لدى الجمهور الغربي تجعل تلك المظاهرات دلالة فشل ذريع على الرغم من قوة الآلة الدعائية للكيان.

قد يعجبك ايضا