ذكريات

172

ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق


الساعة الآن الحادية عشر قبل الظهيرة، الشمس الحارقة ترتفع إلى قمة السماء لتوزع حرارتها على الخلائق.
خرجت ريم وزوجة أخيها وابنته من المركز، بعد جلسة معالجة فيزيائية مرهقة للعمة، فهناك مشكلة في يدها يجب معالجتها.
المسافة طويلة بين المخيمات وأطمة البلد لمن يقطعها سيرا على الأقدام، وغالبا لا يقف لهن أحد من سائقي المركبات، فيضطررن لمشي كل تلك المسافة.
في أول البلدة شجرة الزنزرخت الكبيرة أو الشمسية، أوراقها خضراء كثيفة، كانت كالمظلة، وحجمها يصنع تحتها ظلا وملاذا للمتعبين المرهقين…
أول محطة كن يسترحن فيها من مشقة المسير الطويل، ويحتمين بظلها من حرارة الشمس المتوهجة.
على الحشائش الخضراء التي نبتت تحتها، يجلسن ويأخذن قسطا من الراحة.
صافي طفلة في الخامسة من عمرها، تسمي الشجرة ب( شجرتنا )، وتفرح جدا حين تصل إليها ليرتحن تحتها،
أما ريم، فتتأمل الشجرة وتحدثها بصمت:
( آه يا شجرتي العزيزة، لقد تعبت قدماي من هذا المسير اليومي، منذ ثلاثة أشهر وأنا كل يوم آتي إلى المركز، موعدي مع الألم،
اليوم سألت الطبيب المعالج عن الوقت المتبقى لشفائي، فقال لي أن مشواري طويل جدا، فالحرق الذي تركته الشظية في عصب يدي، قد آذته )….
لقد أحزنني كلامه جدا، أنا متعبة جدا، تبا لتلك الشظية،تبا لها.
نسائم خفيفة تحرك أغصان الشجرة، فكأنها تطلب من ريم أن تصبر وتتحمل وتحتسب الأجر عند الله.
بعد استراحة قصيرة يتابعن المسير،
كانت صافي الحسناء الشقراء، ذات العينين الخضراوين، والخدين المتوردين، في كل يوم تسأل:هل سنأتي غدا أيضا إلى مشفاك ياعمتي؟.
كانت الطفلة تنسب المركز الموجود ضمن المشفى بأنه ملك لعمتها ريم، لأنها تعوده كل يوم…

نعم ياصافي، غدا أيضا سنأتي لمشفاي.
هكذا جاوبتها العمة مع ضحكة مليئة بحب الكون للملاك الصغير المرافق الدائم لها.
المشي المستمر تحت نيران شمس الصيف يذكر بنيران جهنم، فقد تشعر لوهلة أنك في جهنم مصغرة عن جهنم الآخرة.
( صخرتنا )، محطتهن الثانية التي يقفن فيها ليرتحن بعض الوقت،
صخرة كبيرة موجودة على يمين الطريق، على طرف الأرض الزراعية، وكن يجلسن عليها، ويغطين وجوههن بطرف منديل الرأس ،
أما صافي فكانت تختبئ تحت( درع الأم )، ثوب أسود طويل يلبس فوق الجلباب، ذلك الزي الجديد الذي ترتديه النساء منذ بضع سنين….
في هذه المحطة يكاد ينال الإرهاق منهن، تتلمس ريم الحجر بكفها المتعرق وكأنه غمر بماء نهر، فتحدث نفسها:
( كأني أشعر بصمتك، ياصخرتي الحنونة، يسمعني صوت حزنك علي،
أعلم أنك تشعرين بمعاناتي وأوجاعي، ماذا أفعل هو قدري ونصيبي، ويجب أن أصبر على قضاء الله؟!!..
هكذا قالت لي شجرتنا، فهي أيضا تحزن علي يا صخرتي الصماء )…
يصلن للبيت بعد وقت طويل من التعب والاحتراق.
فيما كانت ثيابهن المبلولة من التعرق، تختصر الإجابة على أسئلة الجيران عن سبب التأخير!!…

قد يعجبك ايضا